إن أساس وجود هذه المدينة ومكانتها الحضارية بين مدن العالم جاءت من تشرّفها بوجود المرقد الطاهر لأمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، والذي ظلّ مخفيّاً لسنين عدّة ــ بعد استشهاده عليه السلام في الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة أربعين للهجرة على يد أشقى الأولين والآخرين عبد الرحمن بن ملجم المرادي ــ ثم أظهره الإمام الصادق عليه السلام في القرن الثاني للهجرة ـــ الثامن الميلادي.
وعلى الرغم مما تمتلكه النجف الأشرف من مكانة سامية في نفوس العالم الإسلامي على اختلاف مذاهبه وطوائفه لقداستها وماضيها المشرق باعتبارها أرض النبي إبراهيم عليه السلام، فإن المدينة اليوم وبعد سقوط النظام المباد عام (2003 م)، أخذت موقعها المهم بين المدن الإسلامية الأخرى كواحدة من المدن الثقافية والحضارية والدينية والسياحية والاقتصادية والسياسية، إضافة إلى غير ذلك من العوامل التي أهّلتها لاستلام مهامها القيادية بين المدن وخصوصاً تواجد المرجعية الدينية العليا المتمثلة بمراجعنا العظام أدام الله ظلهم، للسيطرة على الأوضاع في البلاد خصوصاً بعد حالات الانفلات الأمني التي حصلت بعد نيسان (2003م)، وحمل هموم المسلمين في العالم أجمع ومتابعة قضاياهم ومحاولة التدخل في حل المشكلات حينما يتطلب الموقف ذلك، مراعاة للمصلحة العليا للعراق وشعبه بشكل خاص أو للإسلام والمسلمين أجمع بشكل عام.
تقع النجف في منطقة صحراوية تبعد عن نهر الفرات بحوالي (10) كم، حيث مدينة الكوفة التاريخية ومسجدها المعظم، وتحدّها من الشمال مدينة كربلاء المقدسة وعلى مسافة تصل إلى (70) كم تقريباً، ومن الغرب تحدّها المملكة العربية السعودية حيث كان طريق الحج البري، وهو أقرب الطرق بين العراق والسعودية لسفر حجاج بيت الله الحرام، ومن الجنوب تحدّها مدينة الحيرة التاريخية ومحافظة القادسية التي تبعد عنها بحوالي (60) كم، أما الجهة الشرقية فحدودها تمتد إلى قضاء الكفل التابع لمحافظة بابل التاريخية.
ومن الناحية الجغرافية فإن النجف الأشرف واقعة في المنطقة الوسطى من العراق على تقاطع خط عرض (32) وخط طول (44)، ويبلغ عدد سكان مدينة النجف الأشرف وفق تقديرات عام 2006 (505.856) نسمة أي ما يمثل 48% من مجموع سكان المحافظة الذين يزيدون على المليون نسمة.
والنجف تقع على حافة الصحراء الغربية وسط أرض رملية جرداء مرتفعة، ومناخها صحراوي، ترتفع عن سطح البحر بحدود (69) متراً، وتبعد عن العاصمة بغداد بحوالي (180) كم.
الروضة الحيدرية المطهرة
في وسط مدينة النجف الأشرف القديمة يقع المرقد الطاهر لأمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وهو المعلَم الأهم في المدينة، ويعود تاريخ العمارة الحالية للصحن الحيدري الشريف إلى بداية القرن الحادي عشر الهجري ـــ السابع عشر الميلادي كما ذكرته المصادر التاريخية، إذ وصلت العمارة على الصورة التي تُشاهد اليوم من الروعة والإبداع العاليين والفن المعماري الفخم بالقبة الكبيرة والمأذنتين ومنارة الساعة، بعد أن مرّ المرقد العلوي المطهّر بمراحل من البناء عدّة وعمارات مختلفة، فبعد استشهاد أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في محراب الصلاة وهو يؤدي فرض صلاة الفجر بسيف عبد الرحمن بن ملجم المرادي في يوم الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة (40) للهجرة عُفي قبره بوصية منه إلى ولديه الإمامين الحسن المجتبى والحسين الشهيد عليهما السلام مخافة نبش قبره الشريف من قبل دولة بني أمية، ثم برز للظهور بشكل دكة في أواسط القرن الثاني للهجرة بإشارة من الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام المتوفى سنة (148هـ)، لتتوالى بعد ذلك العمارات والقباب على المرقد الطاهر، فيما يعتبر رفع القاشاني الأزرق القديم في القرن الثاني عشر الهجري واستبداله بالصفائح الذهبية من أبرز الإصلاحات، إذ تم إزالته من القبة الشريفة والإيوان الكبير والمأذنتين.
وجاء في عدد من المصادر التاريخية أن أمير المؤمنين علي عليه السلام دُفن عند النبي آدم ونوح عليهما السلام، إذ جاء في زيارته عليه السلام: السلام عليك وعلى ضجيعيك آدم ونوح وعلى جاريك هود وصالح، ونُقل عن الرحالة ابن بطوطة الذي زار النجف الأشرف عام (720هـ) فوجد داخل الروضة المقدسة ثلاثة قبور قيل أن أحدها قبر علي عليه السلام والآخران قبرا آدم ونوح عليهما السلام.
تصل مساحة الصحن الشريف الى حوالي (5000) متر مربع يحيطه سور طابوقي منقوش من الداخل بالنقوش النباتية والآيات القرآنية، ويضم المشهد العلوي في داخله خزائن عدّة تضم كنوزاً وتحفاً لا تقدر بثمن ومجموعة كبيرة من المخطوطات النادرة تعود إلى مئات عدّة من السنين، إذ كان الملوك والأمراء وغيرهم يقدمون التحف النادرة والهدايا النفيسة للمرقد الطاهر.
والصحن الشريف بناء مستطيل الشكل يتكون من سور خارجي ذو طابقين الأول وهو الأرضي يضم مجموعة من الحجرات تتقدمها أواوين نقشت بالزخارف الإسلامية والنقوش النباتية وضمت مشاهير العلماء حيث دفنوا فيها، أما الطابق العلوي فهو كالأول ويشتمل على غرف كانت سابقاً تستعمل لسكن طلبة العلوم الدينية من العرب وغيرهم من مختلف الجنسيات.
بعد هذا السور تأتي ساحة الصحن الشريف التي تحيط المرقد الطاهر من ثلاث جهات فقط ثم يأتي السور الثاني الذي يضم الأروقة الأربعة المحيطة بالضريح المقدس، ثم السور الثالث المربع الشكل الذي يضم المرقد الطاهر لأمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ضمن شباك ذهبي رائع الصنعة والفن رصع بالأحجار الكريمة.
ويعلو المرقد الطاهر قبة ذهبية كبيرة يتقدمها مأذنتان ذهبيتان ثم برج الساعة الذي نصب فوق الباب الكبير للدخول إلى الصحن الشريف الذي يضم خمسة أبواب ضمن السور الخارجي، وأبواب أخرى للدخول إلى الأروقة المقدسة، وخمسة أبواب ضمن ثلاثة مداخل للدخول إلى الضريح المقدس.