على غير العادة، سجل العراق مؤشرات اقتصادية إيجابية في الأسابيع الماضية، إذ أكد وزير المالية العراقي علي علاوي أنه من المتوقع ارتفاع الاحتياطات النقدية للبلاد إلى أكثر من 90 مليار دولار بحلول نهاية 2022، مشيرا إلى أن هذا المستوى يعد قياسيا بالنسبة للعراق، في غضون ذلك توقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد العراقي بنسبة 9.5% خلال العام الجاري ليكون الأعلى عربيا.
ورأى الوزير العراقي أن التعافي في أسعار النفط والإدارة المالية التي وصفها بـ”الحكيمة” ساعدا الاحتياطات على أن تصل لمستوى 70 مليار دولار في أبريل/نيسان الماضي، بعد أن انخفضت احتياطات البلاد من العملات الأجنبية إلى مستوى أنذر بالخطر في عام 2020 عندما تسببت جائحة كورونا في انهيار أسعار النفط عالميا.
أسباب النمو
وتثير هذه الأرقام الإيجابية للاقتصاد العراقي الأسئلة حول أسبابها، إذ يشير مظهر محمد صالح المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء العراقي في حديثه للجزيرة نت إلى أن ارتفاع حجم الاحتياط النقدي في البلاد يعزى لارتفاع أسعار النفط عالميا بزيادة تقدر في المتوسط بين 40% و45% عن العام الماضي.
وتابع صالح أن الحكومة العراقية تعتمد على النفط في تسديد النفقات الداخلية بعد استبدالها بالعملة العراقية المحلية وفق سعر صرف الدينار الصادر عن البنك المركزي والذي يعادل 1460 دينارا لكل دولار.
وبالتالي، وبما أن التدفقات المالية الخارجية أكبر من حجم الإنفاق الداخلي الذي يعتمد نسبة 1 إلى 12 وفق قرار الإدارة المالية بسبب عدم إقرار الموازنة الاتحادية للبلاد، فإن ذلك أدى لتراكم النقد الأجنبي لدى البنك المركزي وزيادة حجم الاحتياطات، بحسب تعبيره.
وعن الإيجابيات، أوضح أن حجم النقد الأجنبي يقارب تغطية قيمة العملة العراقية وحجم العملة المتداول محليا، وهو ما يشكل عامل استقرار للدينار بما يساعد على مواجهة التضخم داخل البلاد بسبب تداعيات استمرار الحرب الروسية الأوكرانية.
هل هو نمو حقيقي؟
وتثير بيانات صندوق النقد الدولي العديد من التساؤلات عما إذا كان نمو الاقتصاد العراقي حقيقيا، لا سيما ما يتعلق باستقرار العملة الوطنية، وفي هذا الصدد يقول الخبير المالي محمود داغر إن معدل النمو المرتفع في العراق حاليا يعزى لبروز القطاع النفطي بوصفه مصدرا وحيدا للقيمة المضافة اقتصاديا، في حين تتراجع القطاعات الاقتصادية غير النفطية.
وفي حديثه للجزيرة نت، يوضح داغر أن النمو الاقتصادي الذي أعلن عنه صندوق النقد الدولي يعد نموا للقطاع النفطي وليس للاقتصاد العراقي الحقيقي، وبغير القطاع النفطي لن يسجل العراق أي نمو حقيقي بمثل هذه النسبة التي أعلن عنها الصندوق.
وأضاف أن ارتفاع احتياطات البنك المركزي العراقي لا يعد مؤشرا كاملا للوضع الاقتصادي، معللا ذلك بأن حجم الاحتياطات لا يغطي حجم السيولة النقدية العراقية التي بلغت 80 تريليون دينار، وبالتالي تعد نسبة حجم الاحتياطات أقل مما كانت عليه قبل عامين عندما كان حجم الكتلة النقدية العراقية قرابة 60 تريليون دينار، موضحا أن الاحتياطات الحالية توفر حجم سيولة كافيا للاستيراد من الخارج دون توفيره الاستقرار المالي للعملة المحلية.
ويذهب إلى هذا الرأي أستاذ الاقصاد بالجامعة العراقية عبد الرحمن المشهداني، الذي يقول إن ارتفاع حجم احتياطات البنك المركزي يعزى لفارق النسبة بين ورادات العراق بالدولار وما تبيعه الحكومة العراقية في مزاد العملة، موضحا أن الواردات العراقية بلغت 8 مليارات دولار شهريا، في حين أن مزاد العملة يبيع ما مجموعه 4.5 مليارات دولار في الشهر الواحد.
انعكاسه على العراقيين
ورغم هذه الطفرة الاقتصادية التي تكشفها الأرقام، فإن العراقيين يتساءلون عن الأسباب التي تمنع من انعكاس ذلك على الشعب العراقي الذي يعاني من معدلات تضخم وفقر وبطالة مرتفعة، إذ يرى المشهداني في حديثه للجزيرة نت أن العراق بحاجة لسياسات اقتصادية حقيقية في وقت تفتقر فيه البلاد إلى موازنة مالية عامة بعد انقضاء أكثر من 5 أشهر من السنة المالية.
عن الجزيرة نت