وقد سكنها جمع كبير من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين والعلماء والصلحاء والأمراء والولاة والشعراء والأدباء وغيرهم.
فيها الكثير من الأماكن المقدسة والمشاهد الشريفة، وفي الحديث أن مدينة الكوفة هي حرم الله وحرم رسوله صلى الله عليه واله وسلم وحرم أمير المؤمنين عليه السلام، وفي مسجدها الكبير صلى كثير من الأنبياء والأوصياء وأولياء الله الصالحين.
وصفها الرحّالة ابن جُبير في رحلته وكان قد دخلها يوم الجمعة الثامن والعشرين من شهر محرم الحرام سنة (580هـ) فقال: هي مدينة كبيرة عتيقة البناء… وبناءها بالآجر ولا سور لها، والجامع العتيق آخرها مما يلي شرقي البلد ولا عمارة تتصل به من جهة الشرق…، فيما وصفها الرحالة ابن بطوطة في رحلته وقد دخلها أواخر سنة(725هـ) فيقول: هي إحدى أمهات البلاد العراقية المتميّزة فيها بفضل المزيّة مثوى الصحابة والتابعين ومنزل العلماء والصالحين وحضرة علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام إلا أن الخراب قد استولى عليها.
ويروى عن أميرالمؤمنين علي عليه السلام أنه قال: الكوفة كنز الإيمان وجمجمة الإسلام وسيف الله ورمحه يضعه حيث يشاء…، وكانت الكوفة قديماً واسعة كبيرة تبلغ ستة عشر ميلاً وثلثي الميل، وقد جاء في معجم البلدان لياقوت: أن فيها من الدور خمسين ألف دار للعرب من ربيعة ومضر وأربعة وعشرين ألف دار لسائر العرب وستة آلاف دار لليمن.
ووفق تتقديرات عام (2006م) فإن عدد سكان مدينة الكوفة يبلغ (129.464) نسمة، أي يمثل نسبة (12%) من مجموع سكان محافظة النجف الأشرف.
مسجد الكوفة
مسجد الكوفة من المساجد التي يُشَد لها الرحال، ونقلت بعض الروايات إنه كان معبداً للملائكة قبل خلق النبي آدم ثم معبداً لهُ عليه السلام، ولعدد من الأنبياء والمرسلين عليهم السلام وللأولياء والصالحين، ويُعد المسجد من الأماكن المقدسة الأربعة التي فضّلها الله فخيّر المسافر فيها في صلاته بين القصر والتمام، وعن الإمام أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام وهو يتحدّث لأحد أصحابه مبيّناً قداسة موضعه ويحث على التوجه إليه: ائته، فلو يعلم الناس من فضله ما أعلم لازدحموا عليه. وفي حديث آخر له عليه السلام عن المسجد قال: ما بقي ملك مقرّب ولا نبي مرسل ولا عبد صالح دخل الكوفة إلا وصلى فيه، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مر به ليلة أسري به فستأذن له الملك فصلى فيه ركعتين، والصلاة فيه الفريضة بألف صلاة، والنافلة فيه بخمسمائة صلاة، والجلوس فيه من غير تلاوة قرآن عبادة، فأته ولو زحفاً.
والمسجد بناء مربع الشكل محاط بسور عال يصل ارتفاعه إلى (10) أمتار وطول ضلعه إلى حوالي (140م)، يتخلله من الداخل صف من الحجرات والأواوين، فيما دعّم من الخارج بأبراج نصف دائرية يبلغ عددها (28) برجاً، وعلى سور المسجد مأذنة قديمة غلفت بالزخارف والنقوش والآيات القرانية الكريمة، وقد شُيّدت اليوم على جانبيها منارتين كبيرتين بتصميم معماري جديد يصل ارتفاع كل منهما إلى (30.85م)، وتبلغ مساحة المسجد الكلية (11.162) متر مربع، قسمت إلى (5.642) متر مربع مساحة مكشوفة، فيما سقفت المساحة الباقية وهي (5.520) متر مربع، وبلغت عدد الأعمدة الكلية في المسجد (187) عمود، وكان عدد الأقواس الكلية فيه (56) قوساً، وهناك مأذنة رابعة هي قديمة أيضاً زُيّنت بالنقوش الإسلامية ونصبت فيها ساعة كبيرة وقد غُلفت قبة مأذنة الساعة بالذهب وبمقدار أربعة كيلو غرامات.
تصل مساحة محراب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إلى (797) متر مربع، فيما بلغت عدد أعمدته (48) عموداً.
وفي المسجد مقامات عدّة تصل إلى تسعة مقامات هي:
1ـ مقام النبي إبراهيم عليه السلام.
2ـ مقام الخضر عليه السلام.
3ـ مقام النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
4ـ مقام أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام ومحل صلاته ومحرابه ومنبره.
5ـ مقام النبي آدم عليه السلام.
6ـ مقام جبرائيل عليه السلام.
7ـ مقام الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام.
8ـ مقام النبي نوح عليه السلام.
9ـ مقام الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام.
وهناك أماكن أخرى في المسجد لها تاريخ وهي:
1ـ بيت الطشت: وهو المحل الذي حلّ فيه أميرالمؤمنين عليه السلام المشكلة المشهورة لإحدى الفتيات.
2ـ دكة القضاء: وهو المحل الذي كان أمير المؤمنين عليه السلام يفصل فيه بين الناس ويقضي بينهم.
3ـ سفينة نوح: وهو موضع في وسط المسجد ويُقال إنه المحل الذي رست فيه سفينة نوح النبي عليه السلام بعد الطوفان الكبير.
4ـ محراب النافلة للصلاة فيه ركعات قربة إلى الله تعالى.
وللمسجد أبواب خمسة هي باب الإمام الحجة عجّل الله فرجه الشريف، وباب الثعبان أو الفيل، وباب الرحمة، وباب مسلم بن عقيل عليه السلام، وباب هاني بن عروة رضوان الله عليه.
مرقد مسلم بن عقيل والمختار الثقفي
إلى جوار مسجد الكوفة وفي الركن الجنوبي الشرقي يقع مرقد سفير الإمام الحسين عليه السلام الشهيد الأول للثورة الحسينية ومعركة الطف في كربلاء مسلم بن عقيل بن أبي طالب عليه السلام إذ أرسله الإمام الحسين عليه السلام سنة (60) للهجرة إلى الكوفة وهو ابن عمّه سفيراً عنه لأهل العراق لشجاعته وعلمه وقدرته، وقد استشهد رضوان الله عليه في معركة غير متكافئة مشهورة في المصادرة التاريخية في الثامن من شهر ذي الحجة من السنة المذكورة.
ولصحن المرقد أبواب متعددة منها ثلاثة تطل على مسجد الكوفة المعظم والرابع واجه الشارع الخارجي، وللمرقد قبة ذهبية شامخة يصل ارتفاعها إلى (28)، متراً كسيت بالصفائح المطلية بالذهب يصل عددها إلى (10.315)، قطعة وبقياس مربع طول ضلعه (20) سم، وطليت كل صفيحة (طابوقة) بمثقالين ونصف من الذهب الخالص، اما مساحة الصحن الذي يضم المرقد الطاهر ومرقد هاني بن عروة رضوان الله عليه فيبلغ (5.344) متر مربع من ضمنها الحجرات والمسقفات، فيما تصل مساحة حضرة مسلم بن عقيل عليه السلام (620) متراً مربعاً، أما مساحة الشباك المقدس فهي (19.6) متراً مربعاً، وللضريح الشريف رواق واسع زُجّج بالمرايا والنقوش النباتية والأعمال الفنية الرائعة الجمال، وتجد إلى جانبه المرقد الطاهر للمختار بن أبي عبيدة الثقفي الذي ثار ليأخذ بثأر الإمام الحسين عليه السلام سنة (64) للهجرة.
مرقد هاني بن عروة المرادي
على أرض تصل مساحتها إلى (150) متراً مربعاً شيّد مرقد الصحابي هاني بن عروة بن نمران المرادي المذحجي مقابلاً لمرقد مسلم بن عقيل عليه السلام وفي الصحن نفسه محاذياً لزاوية مسجد الكوفة الشمالية الشرقية، وتشير المصادر إلى أن هاني رضوان الله عليه شيخ مراد وزعيمها استشهد مع مسلم بن عقيل عليه السلام سنة (60) للهجرة، وقد قتله عبيدالله بن زياد والي يزيد بن معاوية على الكوفة، عن عمر تجاوز التسعين سنة أو الثمانين على قول.
وشُيّدت فوق حرمه الطاهر قبّة شاهقة غُلّفت بالقاشان الأزرق، وللمرقد باب واحد لدخول وخروج الزوار يليه رواق نُصب في آخره شباك المرقد الطاهر.
مرقد ميثم التمار
أبو سالم ميثم بن يحيى مولى بني أسد، كوفي يبيع التمر فاشتهر بالتمّار، صحابي جليل القدر من حواري أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، استشهد في الكوفة قبل مقدم الإمام الحسين عليه السلام إلى العراق بعشرة أيام مصلوباً من قبل والي يزيد بن معاوية على الكوفة عبيد الله بن زياد، كان عالماً بالمغيّبات، حُبس مع المختار الثقفي بعد استشهاد مسلم بن عقيل عليه السلام بيومين وقيل ثلاثة، ثم صُلب على خشبة عند باب عمرو بن حريث فجعل يحدّث الناس بفضائل أمير المؤمنين علي عليه السلام رافضاً البراءة منه، فألجموه فكان أول من ألجم في الإسلام وفي اليوم الثالث من صلبه طُعن بحربة فكبّر واستشهد آخر النهار رضوان الله عليه.
يقع مرقده غربي مسجد الكوفة على مسافة (500) متر منه، على الشارع العام (نجف ــ كوفة) على يمين القادم من النجف، نُصبت عليه قّبة شامخة متوسطة الحجم والارتفاع غُلّفت بالقاشان الأزرق وسط صحن واسع تصل مساحته إلى (5.300) متراً مربعاً يضم عدداً من الحجرات والأواوين وأروقة متعددة.
بيت الإمام علي عليه السلام
إلى جانب مسجد الكوفة قرب قصر الإمارة يقع بيت أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام على مسافة حوالي (100) متر تقريباً من الركن الجنوبي الغربي من مسجد الكوفة، وهو دار متواضعة ذات بناء بسيط جداً عهدناه من طريقة حياة الإمام وزهده عليه السلام بعيداً عن حياة القصور والملوك وزخرف الدنيا، إذ استقر في هذه الدار وهي لأخته (أم هانئ) زوجة هبيرة المخزومي لقربها من المسجد، بعد أن رفض البقاء في دار الإمارة حين قدومه إلى الكوفة في شهر رمضان سنة (36هـ)، أو حتى بناء دار جديدة له.
وللبيت مدخل واحد يطل على ساحة الدار المطلة على حجرات الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام ومكتبتهما ومصلاهما، إضافة إلى حجرة تغسيله بعد استشهاده عليه السلام، مع بئر للماء العذب يتبرك به الزائرون بالشرب والغسل ودفع بعض الأمراض إيماناً منهم ببركته.
قبر السيدة خديجة بنت الإمام علي عليه السلام
في قبالة باب مسجد الكوفة المعظم يقع مرقد السيدة الفاضلة خديجة بنت الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام، ويُقال أنها توفيت وهي طفلة صغيرة ودُفنت في هذا الموقع، وقد شُيّدت فوق قبرها قبة غلفت بالقاشان الأزرق، وبمرقد متواضع يتقدمه ساحة متوسطة الحجم تؤم الزائرين.
مقام النبي يونس عليه السلام
على الشارع الموازي لنهر الفرات وعلى ضفاف مدينة الكوفة يقع مقام النبي يونس عليه السلام، إذ ألقاه الحوت الذي كان يبتلعه عليه السلام في هذا المكان، وقد بني هذا المقام في زمن خلافة أمير المؤمنين علي عليه السلام إلى جوار جامع الحمراء الذي كان في عهده مقراً لبيت مال المسلمين، وقد هُدم الموقع بالكامل قبل سنين أملاً بتطويره وتوسيعه.
مرقد السيد إبراهيم رضوان الله عليه
أبا إسماعيل وأبا الحسين إبراهيم بن الحسن المثنى بن الإمام الحسن السبط بن علي بن أبي طالب عليه السلام، وأمه فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، مرقده بالكوفة على يسار الذاهب من النجف إليها (ضمن حي كندة اليوم)، على بعد حوالي (200) متر من الشارع العام (نجف ـــ كوفة)، في بناء متواضع وصحن واسع شُيدّت عليه قبة زرقاء متوسطة الحجم، والمرقد اليوم أعيد ترميمه وتزجيجه وتعبيد ساحاته.
ويذكر أن المرقد المذكور ظهر متأخراً عند نهاية القرن الثاني عشر الهجري، إذ عثر عليه بعض المنقبين عن الحجارة فوجدوا صخرة دفينة تؤكد محل القبر.
ولُقب السيد ابراهيم بالغمر لجوده، وكان سيداً شريفاً، ويذكر أن أبا جعفر المنصور قبض عليه مع أخيه وتوفى في حبسه سنه (145) للهجرة وله تسع وستون سنة.